ماذا بعد الروضة؟

لقد كنت أتديرف (أتأرجح) أو بالأحرى كنت أدير سلسلتا الديرفة على بعضهما البعض، و ألفّ و ألفّ، ثم أفلتها لأدور سريعا و أرى الرماديات و البيجيات و القليل من الأخضر الباهت تمتزج في عيني لأتساءل هل الدنيا تدور، أم هي عيني التي تدور؟

أين محمد؟ إبن خالي الصغير، فلقد كنت أريد أن أرافقه إلى الطبيب لأنه أصيب بجرح، لكن لم ينادوني. سمعت دوياً و أنا أبتعد عن مكان الدوارف و لكني لم آبه، جاءتني بعدها بُسْبَة خادمتنا بدراعتها الوردية الممتلئة بلحمها و هي تركض إليّ، تناديني تقول: أكو بمب، بمب، أكو قنبلة، أكو حرامي. و أنا ما زلت غير مصدقة ما تقول حتى تلا كلامها ضربة شديدة فزعنا كلتانا منها و هرعنا إلى الشاليه، تعابير وجوه عائلتي كانت كلها تتشابه، بحركة سريعة حُزمت الحقائب و سرينا آخر الليل.

منتزه الخيران كان من أجدد المشاريع آنذاك، كنا سعداء إذ وجدنا حجزاً، و نحن نبتعد عنه حادرين (شمالاً) إلى مدينة الكويت كنتُ أرى -و قد كان النور بزغ حينها- على المدى و أنا محشورة في مؤخرة الجيمس دبابات تمشي عليها جنود، كنتُ لا أعلم ما هوية هؤلاء الجنود، معنا هم أم علينا، لكن كنتُ أعلم أننا في حالة حرب، وصلنا و صعدنا إلى سطح بيتنا فأرعبتني رؤية العديد من الناس و السيارات يتحركون بحركة سريعة لم أعهدها يوماً في بلدي المتهادي، الساحة الخلفية التي كانت ملعباً ترابياً هاج بالأنوار و الأصوات، إنها حالة الخطر الأولى أمام عيني خريجة الروضة ذات الخمس سنوات و نصف.

مذيع الأخبار يوسف مصطفى بخلفية زرقاء ينقل خبر العدوان العراقي على دولة الكويت. لم يكن والدي موجوداً (فقد كان وزير التربية و ذهب إلى الطائف مع الحكومة) لكن قبعت صورته في ذاكرتي و كأن سؤالي عنه أوجده في هذا الوقت بعينه، كانت اللحظة مختزلة بسلم بيتنا و نور خافت. أحد أبناء عمي، و أمي و خيال أبي يتناقشان في مأوانا و مأواهم و جدي المريض، و هلع في عيني حميد الطباخ يخبر أمي بخوفه و يصارحها بعزمه على المغادرة.

ظل جدي مع عمي و انتقلنا أنا و أمي و إخوتي إلى بيت جدتي لأن فيه سرداب. هناك اجتمع أغلب أفراد الأسرة إلا البعض الذين كانوا مسافرين في فترة الصيف، أذكر خالي خالد كان مسافر، و كانوا دائماً في محاولات للاتصال به. كنا ننام في السرداب و كان لونه أزرق فاتح، كان البحر في السرداب، و فيه تتقطع الأحداث.

متاهة من الأرائك الإسفنجية المكدسة في ركن واحد

شاي سلمى صديقة بُسبَة و البورسلان الأخضر

حلب الصخول و جلسات العجن و الخَبز

حذائي من غير جورب

حديثنا عن أبي و كأنه أسطورة

كعكة عيد ميلادي منقوش عليها رقم ستة من صنع أختي الكُبرى

الحنفية، الماء، الصابون، و التخت الذي أقف عليه لأغسل الصحون

رجعنا بعد فترة إلى بيتنا للزيارة، حول الحديقة العامة المطلة على شارع المنطقة الرئيسي كان صفاً من العساكر المتصنمين الحاملين على أكتافهم شتى أنواع البنادق. و كنا نمر أمامهم بالسيارة و كانوا متهيئين للرمي، هي لحظة، هي ثانية أو أصغر، نمر بها داخل هذه السيارة، فإما أحياء أو أموات، هذا ما كان يدور في عقلي آنذاك مع انعدام اللغة. لعبت يومها بدراجتي الحمراء في الحوش حول بيتنا.

عندما حلقت أمي رأس محمد فوق السطح و شاهدنا العساكر يسكنون بجوارنا

عندما اجتمع العساكر على باص مدرسة معطل يريدون إصلاحه

عندما دخلت بينهم متلثمة بشماغ لأنادي أخي

عندما دخل أحدهم بيتنا فجراً و اجتمعنا عند أمي

ليلة التكبير و دراعة علم الكويت

قصة البجعات السبع

سورة الفيل و ماما عايشة، أم جدتي

عندما أتظاهر بالنوم لكي تقبلني أمي كما قبلت أختي

دراعتها القطنية السوداء، مرسوم عليها حمامة

و عندما لبست الحريم السواد و جلسن إلى بعضهن البعض، أول عزاء أشهد كان لأجدادي

انبطاح! و ذلك الحلم، أن غوريلا عظيمة اجتاحت بيت جدتي بينما أشاهد التلفزيون، و تحول البث إلى صورة ذلك الاجتياح، و أحاول إغلاق الجهاز دون جدوى. ثم أصعد للحوش لأرى آثار أقدامها الكبيرة على الكاشي الذي آنذاك كنت قد عددته قطعة قطعة، و أرجع مرة أخرى لأغلق التلفزيون، دون جدوى.

أفقت، و لم يكن أحد في السرداب و لا أحد حتى في الجوار، علمت بعد ذلك أن الكل خرج يتفقد البيوت المجاورة، عندما وجدتهم، ذهبنا إلى مدرسة الجزائر خلف بيت جدتي مباشرة، كانت الطاولات و الكراسي في قاعات الدراسة مهشمة، و أذكر لغرابة الموقف تناثر أكياس من حلوى تزيين الكعك في نفس المكان، كنا حذرين معها لخوفنا من احتوائها على ما يضر.

توالى صوت القصف، "الضربة الجوية" هكذا نرددها كما يقولها الكبار، أطلق بعدها أحد الجيران طلقة التحرير، و فرح الجميع، و أخذنا خالي بسيارته الشيفروليه الرمادية إلى حيث كانت صورة صدام حسين قائمة على أحد الشوارع و واقف أمامها من يعطي سلاحه لكل من يمر لكي يرميه، و كنا منهم، عرفت منذ ذلك المكان أن السلاح ليس من بلاستيك.

لم يصب بيتنا بسوء إلا من بعض الطلقات التي اخترقت الجانب العلوي من البيت، و عندما رأينا المكتبة سليمة، قالت لي أمي بأن الله سلّم على ما عندنا لأنها خطت آية الكرسي على ورقتان علقت إحداهما على باب المكتبة و الأخرى على باب البيت.

لقبونا بعد ذلك بالصامدين و ظلت السماء سوداء لمدة طويلة، و صار كل شيء مرتبط بالعدو مدعاة للسخرية و الغضب، و كل الكلمات التي حفظناها من أيام الصمود، صارت زاداً لنا إلى خيال ألعابنا؛ أسماء الصواريخ، نبرة صوت صدام، التهويس، أما الصور التي شاهدناها فقد انتقلت إلى عروق ألواننا.. و ما لا يُقال ظل يبكي على ما قيل

أنا في قلب الله

إلى الأيام

عندما جلست أكتب ما عودتني عليه و ما وعدتني به، رأيت أنك لا ترمين حقاً إلى شيء، فلا أدري لِمَ اكتراثك بتفاصيل حياتي. وددت لو نبقى أصدقاء لكن هناك من يحاول أن يمحي أثرك و من يتدخل بتعاقبك المقدس. و لهذا حكم عليك التزوار، و حكم علي التذكر. لا أتمنى أن تعودي لأني لا أعتقد بذهابك، فأنت تتكدسين في هذا الواقع كـلوحات المسرح

إن الروح تُنفخ فيك أيتها الأيام، لا في أجسادنا، فرفقاً بي أرجوكِ، أنت مسبحتي التي أسكن بها و أنتِ روحي التي تمر بي و لا تستوطن. لماذا يستهويك تطريز نسخ مني على جلدي؟ لماذا تحبين أن أحذوك بالتكاثر؟ عندما أنتظر، تختلف ترانيمي إليك و أصبح لك أكثر خضوعاً، فتتخدر أعضائي و تتجمد التعابير على وجهي

أما الآن فأنا لا أنتظر شيئا، أريد أن أُنسى كطفل يتيم، فما داعي الذكرى إن نستني المحبة؟ الآن أنا أَنشُد السكينة و أُنشِد لله


المذكرة العاشرة

البحر أجمل ما يكون
لولا شعوري بالضياع
لولا هروبي من جفاف مدينتي الظمأى و خوفي
أن أموت
عريان في الأعماق أو في بطن حوت
إني أحاذر أن أموت
لما أفكر أن لي بيتاً و لي فيه عيال
لما أحس بأن في الدنيا جمال
يا أيها الفجر المشع و يا أصائل يا ليال
الشمس في الآفاق كالإيمان في قاع النفوس
و من القلوب المؤمنات
بالأرض و الإنسان تنبثق الحقيقة و الحياة
زرقاء صافية كعين حبيبتي عند اللقاء
كالفجر كالأمواج حين تنام كالأفق المضاء
و كما يشع النجم في كبد الظلام
يأتي الربيع من الشتاء
و غداً ستمطر غيمتي. و يذوب في الرمل الصقيع
و المجد للأسرار في القلب العظيم
و إلى المحبة للجميع
و إلى الربيع
في كل أرض في الشمال أو الجنوب
و المجد للمحار في كفي هدايا للعذارى الطاهرات
الحاملات جنين إنسان الحياة
القارع الأجراس في ليل الطغاة
يا بحر يا محار يا سحر الأصائل يا غداة
آمنت أن غداً سيشرق في بلادي و الحياة
ستدب حتى في الرمال
و من التشرد في البحار
سيشع في روحي النهار

مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١
بصوت الشاعر

بحّاري الحبيب؛
ليتني أستطيع أن أومئ رسالتي إليك، فأنا في هالة من الأمية و العجز. إن الصبر كظم يلي أو يسبق مصاب سوء و يناسب مصاب بعد، و أشده مقترن بالقتل، فالمصبور هو المحبوس بنية قتله، و هو يخط عبر الزمن مشوارين متوازيين أحدهما لليأس و الآخر للأمل. بحّاري الحبيب، مازالت البيوت تُهدم، و عيالك اعتادوا الرحيل، حتى من أنفسهم. أتمنى أن ترجع سالماً لتراهم.
يتوالى مُخاض المحّار فلا تكون اللؤلؤة، و أستمر في دعائي للبحر لعله يتوب، و للسماء لعلها ترحم

الألّافة

أختي و بناتها رجعن اليوم من السفر، و كما عهدناهن اتخذن الطاولات منصة لهن. بدأت زينة بأغنية إنجليزية عن العائلة، كانت هي قد ألفتها، مع إيقاع من أختها. و عندما شان عليهن الإنجليزي و هن رادين حكوكات بعد سفرة دامت قرابة الشهر، أعلنت رغبتي بأن تغنين أغنية عربية، فبادرتني زينة بهذه الأغنية

الله هو الله
الله هو ربنا
إحنا أصلاً و لا شي
بدون الله
الله هو ربنا
الله هو إهني (تؤشر على قلبها)
الله ما تشوفونه
على شان هو بالسما
الله خلق الكائنات
الله هو ربنا
الله هو أحلاها
الله هو ربنا

و عندما استغربنا الكلمات، سألناها: حافظتها من المدرسة؟ قالت و كأنها تعلن حقيقة قديمة: لا! إهي من مخي ألحين (أي ارتجال)، أنا ألاّفة

مصارع العشاق

في سفر والدي، يبدأ عملي كأمينة مكتبة، لذا اتصل عليّ عمي يطلب ديوان الحطيئة. تذكرت مكانه،علمت أنه في قسم دواوين الشعر التي في مكتبة الملحق (حيث أن لدينا خمس غرف للكتب إثنان منها رسمية، و ثلاث محتلة)، و في الزاوية التي عادةً أختلي بها. بينما كنت أبحث عن الكتاب، وجدت كتابا قديماً أحمر التجليد محفور النقش، فتحته و إذا به من مواليد سنة ١٩٠٧م - ١٢٣٤هـ من و طبع في مطبعة التقدم بشارع محمد علي بمصر على نفقة عبدالغني شهاب الكتبي بجوار الأزهر بمصر

كتاب مصارع العشاق
تأليف
الشيخ أبى محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج
القاري رحمه الله

الكتاب مصنف على هذا النحو:
الجزء الأول
(كان على وجه الجزء الأول بخط المصنف و هو من إنشائه)
هذا كتاب مصارع العشاق - صرعتهم يوما نوى و فراق
تصنيف من لدغ الفراق فؤاده - و تطلب الراقي فعز الراقي
فإذا تصفحه اللبيب رئى لهم - أسرى الهوى أيسوا من الإطلاق


- باب أصل العشق و ما ذكر فيه
- باب مفرد من مصارع العشاق

الجزء الثاني
(كان على ظهر هذا الجزء بخط المصنف)
مصارع العاشقين صرعهم - هوى الظباء الفواتر الحدق
تصنيف من صده تصونه - عن كشف ما في الفؤاد من حرق
فهو يسر الهوى و يكتمه - و القلب قد تاه منه في طرق


- باب من مصارع العشاق
- باب عقوبات فساق العشاق

الجزء الثالث
- باب من مصارع عشاق الطير
- باب من مصارع العشاق

الجزء الرابع و الخامس
- باب من حمله هواه على قتل من يهواه
- باب خلوات العشاق
- باب ثان مفرد من خلوات العشاق
- باب مصارع غربان النوى

الجزء السادس
- باب ذكر مصارع محبي الله عز و جل
- باب مصارع عشاق الحور العين
- باب مصارع عشاق الجنان
- باب من عجائب محبي الله و ذكر كراماتهم
- باب في شوق المحبين

الجزء السابع
- باب جامع من مصارع العشاق
- باب من صعق لوعظ معشوقه
- باب الظافرين بأحبابهم مع العفاف بعد أن أشرفوا على الإتلاف

الجزء الثامن
- باب من مصارع العشاق
- باب من طرائف هذا الكتاب

الجزء التاسع
- باب مصارع محبي الله عز و جل
- باب ظريف من أخبار مصارع العشاق

الجزء العاشر
- باب من عجائب مصارع العشاق
- باب طريف من أخبارهم

الجزء الحادي عشر
- باب المتألمين من الفراق

الجزء الثاني عشر
- باب من عوفي برؤية أحبابه من علل هواه و أوصابه
- باب ذكر مصارع عشاق الكعبة

الجزء الثالث عشر
- باب يلحق بمصارع محبي الله عز و جل

الجزء الرابع عشر
غير مبوب

الجزء الخامس عشر
غير مبوب

الجزء السادس عشر
- باب من مصارع عشاق الجن

الجزء السابع عشر
- باب مصارع العشاق و غرائب أخبارهم
- باب طريف من مصارع العشاق

الجزء الثامن عشر
- باب من عجائب العشاق

الجزء التاسع عشر
- باب من مصارع العشاق

الجزء العشرون
(و كان على وجه الجزء و هو داخل في السماع أيضاً)
حدثنا أحمد بن ثابت من لفظه بدمشق أخبرني أحمد بن أبي جعفر القطيعي حدثني إسحق بن ابراهيم بن أحمد الطبري حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد حدثنا أبو غالب بن بنت معاوية بن عمرو حدثني جدي معاوية بن عمر حدثنا زائدة عن ليث عن مجاهد عن بن عمر قال قال رسول الله سألت الله عز و جل أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه


(و كان على ظهر الجزء و هو في السماع أيضاً)
أخبرنا التنوخي أخبرني أبو الفرج المعروف بالأصفهاني أخبرني الجرمي ابن أبي العلاء حدثنا الزبير بن بكار حدثني خلف بن وضاح أن عبد الأعلى بن عبدالله بن صفوان الجمحي قال حملت ديناً بعسكر المهدي فركب المهدي يوماً بين أبى عبدالله و عمر بن بزيع و أنا وراءه في موكبه على برذون قطوف فقال ما أنسب بيت قالته العرب قال أبو عبيد الله قول امرئ القيس
و ما ذرفت عيناك إلا لتضربي - بسهميك في أعشار قلب مقتل
قال هذا إعرابي قح فقال عمر بن بزيع قول كثير يا أمير المؤمنين
أريد لأنسى ذكرها فكأنما - تمثل لي ليلى بكل سبيل
فقال ما هذا بشيء و ما له يريد أن ينسى ذكرها حتى تمثل له فقلت عندي حاجتك يا أمير المؤمنين قال الحق بي قلت لا لحاق لي ليس ذلك في دابتي قال احملوه على دابة قلت هذا أول الفتح فحملت على دابة فلحقته فقال ما عندك قلت قول الأحوس
إذا قلت إني مشتف بلقائها - فحم التلاقي بيننا زادني سقما
فقال أحسنت حاجتك قلت عليّ دين فقال اقضوا دينه فقضي ديني


- باب مصارع فساق العشاق
- باب من مصارع العشاق
- باب من مواعظ العشاق

أما في ظهر الغلاف فقد كتب بخط اليد (ربما من صاحب الكتاب الذي سبق والدي) أرقام صفحات، و عندما تبعتها رأيتها تشير إلى أبيات عليها علامة للرجوع إليها و لا أستطيع ذكرها هنا لمشقتها عليّ في الكتابة، و وددت لو أذكر لكم هنا أحد الأبيات التي أعجبتني و هي في الصفحة ١٧٧
أخبرنا الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوبه أنبأنا أبو الحسن العباس بن العباس الجوهري حدثنا الطوسي أنشدني هلال بن العلاء
أرى كل معشوقين غيري و غيرها - يلذان في الدنيا و يغتبطان
و أمسي و تمسي في البلاد كأننا - أسيران للأعداء مرتهنان
أصلي فأبكي في صلاتي لذكرها - لي الويل مما يكتب الملكان
ضمنت لها أن لا أهيم بغيرها - و قد وثقت مني بغير ضمان
ألا يا عباد الله قوموا تسمعوا - خصومة معشوقين يختصمان
و في كل عام يستجدان مرة - عتابا و هجراً ثم يصطلحان
يعيشان في الدنيا غريبين أينما أقاما و في الأعوام يلتقيان

أعجبتني تصانيف أخبار العشاق فلم أرَ هذا القدر من الأخبار في وصوف العشق. و هذا ما كان بيني و بين هذه التحفة الحمراء حتى الآن

دولكة الكركديه و أشياء أخرى

أول الليل، دولكة الكركديه انفجرت بيدي و جرحتني جرحاً ظننته بقايا العصير. كانت الدولكة أحد عداداتي الزمنية، و كنت أراقبها و هي تقارب النفاد. ثواني الإدراك كانت بالضبط كثواني تسرب الهواء إلى الفراغ رعداً، و شحنة الضوء فيه برقاً، و أنا الآن منهكة كالسماء بعد عاصفة الخمس دقائق

كنت ماشية على خط ميناء الشويخ عندما رأيته يتقلب بين عجلات السيارات، و يرفرف كالمستجير بخانة أمان، كان طيراً من بعيد، و لكن عندما اقتربت أكثر، تحول إلى قطعة من ورق مقوى عجنته هفّافة الشوارع، ربما كان جزءاً من سحّارة طماطم، لقد حز في خاطري أكثر عندما علمت بأنه ليس طيراً. فهو يتألم بلا عقل، و يتقلب بلا قلب، أما كيس البقالة فهو يطير في الفضاء سمّاري. في قلبه هواء و سكناه أعالي الشجر، و منقوش عليه عشر مرات: كل عام و أنتم بخير

ممنوعات



ممنوع من السفر ممنوع من الغنا
ممنوع من الكلام ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء ممنوع من الابتسام
وكل يوم في حبك تزيد الممنوعات
وكل يوم بحبك أكتر من اللى فات
حبيبتي يا سفينة متشوقة و سجينه
مخبر في كل عقدة عسكر في كل مينا
يمنعني لو أغير عليكي أو أطير
إليكي و أستجير بحضنك
أو أنام في حجرك الوسيع و قلبك الربيع
أعود كما الرضيع بحرقه الفطام
حبيبتي يا مدينه متزوقه وحزينه
فى كل حاره حسره وف كل قصر زينه
ممنوع من إني أصبح بعشقك .. أو أبات
ممنوع من المناقشه ممنوع من السكات
وكل يوم فى حبك تزيد الممنوعات
وكل يوم باحبك أكتر من اللى فات

السنة التي لا تمر



و هاهو يوليو يأتي من جديد، حاملاً الأمل كنعجة شاردة، هناك آمال شهيرة، الكل يصبو إليها و يناديها و الكل يمني النفس بها و يغوي الناس إليها، لكن أملي رغم أجيجه في عمق الليل يبقى من غير بشير و قد سلم مقاليد حكمه للقدر، انتهى بي عصر التصقت به يدي على خدي، و بدأ عصر فيه أشرد

البرحي تساقط البارحة، و عليه فإن يوليو هو بداية أو ربما نهاية سنة النخل، العطر الذي اشتريته في سبتمبر الماضي فرغ، و الدشة غداً. نقطة الدم التي كانت تتمشى في يدي رحلت، و اللمبة احترقت، و المكيف بدأ بالنفخ، و قائمة الأغاني سكتت، و الكركديه قارب النفاد. زمن الشرود عندي يتكئ على هذه العدادات

Summer Selection