أريد أن أصبح

تكلم سفيد في موضوعه الأخير عن أحلام الطفولة، و عندما بدأت في التذكر طرأت عليّ من أموري عجيبها فقد كانت طفولتي تلخص بحبي للقراءة و الرسم، إلى جانب ركوب الدراجات و المهايل في أرجاء المنطقة. أذكر أن إبن عمي كان يحلم أن يصير طبيباً أما أنا فكنت أريد أن أصبح رسامة، و لكن عندما قال لي والدي أن الرسم ليس مهنة و إنما هواية، أجلت أحلامي إلى إشعار آخر. بدأت أقرأ من قسم الأطفال في مكتبتنا، و بعد انتهائي من قصص الأنبياء قررت أن أصبح نبية، لإعجابي بمقاومة النبي للعب مع أقرانه و هو صغير، و تأمله في غار حراء و الذي يشبه في عقلي الصخور المحاذية لشاليهنا. كنت أفكر كثيراً بالمثالية و كيفية الوصول لها، و لهذا و بعد بحث طويل عنها أحسست و كأني جحا في قصته مع حماره و ابنه عندما مشوا معاً في مشوار فمروا على ناس أشفقوا على الصبي الصغير الذي رأوه و قد أرهقه المسير، فأركب جحا الصبي على ظهر الحمار، ثم مروا على جماعة أخرى استنكرت وقاحة الصبي في ركوبه الحمار تاركاً أباه ماشياً، فركب جحا مع ولده إلى أن رأتهم ثلة من المهتمين بحقوق الحيوان و لاموا جحا على إجهاده الحمار و انعدام روح الشفقة فيه. حار جحا بحاله فحمل الحمار على ظهره و أتم مشواره و الكل على هيئته اتهمه بالجنون

حارت فيني المهن و الأفكار و التوجهات، و لكن مثالية النبوة كانت تؤرقني، فهي شيء غاية في الإرهاق، حفظت بسببها الشعر و القرآن و شاركت في التمثيل و التسميع، إلى أن وصلت منهج التربية الإسلامية في المدرسة الذي فيه يذكر استحالة ظهور نبية، خاب حينها ظني و قررت أن أدخل العمارة لأنه التخصص الوحيد الذي لا يتطلب -حسب نظرتي آنذاك- إلماماً بأمر واحد بعينه و إنما معرفة عامة مع صقل لمهارة الرسم التي أملكها -منطقياً في المدرسة الطبيعية أو التصويرية على غرار المثالية-، بالإضافة إلى أن المناهج الدراسية اتفقت بالإجماع إلى أن الله خلقنا لعبادته و عمارة الأرض. تخرجت معمارية، و لكني أدركت بعد تخرجي أنني لست حقاً شيئاً واضح المهنة بعد -حتى حكومتنا لم تعترف بهذه المهنة بعد-، أعرف أنني طرحت المثالية جانباً لأدرس اللبس و بدلت المدينة الفاضلة بالمعادلات الخاطئة، و قنعت بألا أحاول معرفة نفسي و من أكون و ماذا سأصبح إلى أن توافيني المنية، و اعتمدت قراءة الفنجان و الكف و الأبراج في تخيل ما قد سيكون من جانب الترفيه و الفضول المصاحب للشك... أما ابن عمي فقد صار طبيباً