قصة طاولة الأكل

أتاني راكضا، قصي لي قصة العصافير اللي قلتيها اليوم؛ يقصد هني ذاك اليوم
ماني قاصتها، قول لي عن شيء جديد أقص لك عنه
قولي عيل قصة القبقب و الأسد اللي قلتيها اليوم
هذي قصة قلتها بعد قصة العصافير و ما كنت متوقعة راح يذكرها، حتى أنا نسيتها، و قلت له ماني قايلتها
إنزين قصة الزهيوي و الخبز
!!
هالقصة كانت قبل سنة

خلاص خلاص، أنا بقولك قصة، و صمت تخريفي بحت تلاه

قصة طاولة الأكل،

كان يا ما كان في قديم الزمان كان في أطفال ضايعين، لقوا لهم مكان يعيشون فيه تحت طاولة الأكل. و في وقت العشاء شرع الناس يأكلون على الطاولة، حتى إذا زادت قرقعة الصحون و الكؤوس و الملاعق، ارتجت الأرض تحت الطاولة و انفرجت فتقلب الأطفال على سلالم تقود إلى الأسفل. نزل الأطفال فقادتهم السلالم إلى مصنع كبير تنفث منه رائحة زكية و إذا بأقزام كثر كل واحد منهم يصنع قطعة بسكويت، و كل قطعة عليها إسم، سأل الأطفال أحد الطباخين عن الأسامي المنقوشة على قطع البسكويت الشهية، فقال أنها لأطفال العالم، و أن لكل طفل قطعة باسمه. فطالب الأطفال بقطع بسكويت لهم بما أنهم من أطفال العالم

أين تسكنون؟ سأل القزم
تحت الطاولة، أجاب أحدهم
تحت الطاولة، لا أحد يسكن تحت طاولة!! كيف لي أن أعتبرك طفلا؟
و لكن من حقنا أن نحصل على البسكويت، فنحن ما زلنا أطفالا
إذهبوا إلى كبير الطباخين فلربما ساعدكم و حقق رجاءكم البعيد


فذهب الأطفال إلى كبيرهم و أعلموه بخبرهم، فقال

ما أسماؤكم؟

أنا زفرون
و أنا أخته زفيرة
و أنا ابن عمهم گنوش

سكت القزم لبرهة، ثم استطرد

إذا أردتم قطع البسكويت، فيجب عليكم أولا حمل أعلام بأسمائكم إلى الجبل الأكبر هناك، و غرس أعلامكم في قمته

ذهب الثلاثة إلى ذلك الجبل العظيم، و مروا بجميع درجات الصعود، إلى أن وصلوا إلى القمة. كانت قمة الجبل أرض واسعة مليئة بالأعلام المغروسة تبدو و كأنها العشب من كثرتها، و تتوسط الأرض شجرة ضخمة

فرح الأطفال لوصولهم السالم، و لما شرع أحدهم بغرس علمه زمجرت صرخة رجت الأرض و هزت الشجرة، فزع الأطفال و ظنوا أن الأرض تألمت، حتى بانت من وراء جذع الشجرة العظيمة عجوز سخيمة اقتربت منهم و هي تعرج من قِدَم قدميها، و حملقت في وجوههم الصغيرة و كأنها تتفقد غنائمها: من سمح لكم أن تغرسوا في أرضي أعلامكم من غير استئذاني؟ لا أحد من الأطفال يجرؤ على هذا الفعل المشين

نحن آسفون يا سيدتي، لم نكن نعلم أن القمة لها مالك
لن يغرس أحد شيئا إلا بعد أن أسأله سؤالا، و الآن تعال يا زفرون و اتبعني إلى الشجرة
لحق زفرون بها، و بقي الباقيان في ترقب قلق

ما اسم أختك؟
زفيرة
لا، لديها إسم آخر
زفيرة، أنا متأكد من ذلك
لا، لديها إسم آخر
كيف يكون ذلك، إنها أختي
و كررت العجوز جملتها
أحقا لديها إسم آخر؟ أحقا ذلك، لم يخبرني أحد بالأمر
فارتسمت على وجه العجوز ابتسامة ما زادتها إلا قبحا و قالت: لقد أخطأت الجواب يا زفرون، و الآن هات علمك و اصعد فوق الشجرة.

صعد زفرون الشجرة حزينا و فوجئ بأعداد من الأطفال مختبئين فيها و ينظرون إليه بعيون تائهة. ثم نادت العجوز أخته زفيرة و قالت لها:

ما اسم ابن عمك؟
اسمه گنوش
لا، لديه اسم آخر
قلت لك اسمه گنوش، هو ابن عمي و أنا أعرفه
فرددت العجوز، لا، لديه اسم آخر
إنك عجوز كاذبة، و إنه گنوش ابن عمي و ليس له اسم آخر
فعبست العجوز و رفعت ما بقي من حاجبيها بكبرياء، و قالت للطفلة: لقد أصبتِ و عليكِ الأمان، فاغرسي علمك و اغربي عن هذه القمة من ذاك الاتجاه لكي لا يراك ابن عمك


فعلت الطفلة ما أُمِرَت و ناداها أخوها من على الشجرة، و ناداها، و لكن العجوز كانت قد أسكنت الرياح فلا صوت يُسمع و لا صدى. ثم جاء دور گنوش في السؤال

ما اسمك؟
گنوش، أجابها بثقة
لا، لديك اسم آخر
اسمي گنوش، لم أعلم اسم غيره، أجاب بقلق
لا، لديك اسم آخر
أحقا لدي اسم آخر؟؟ لم يخبرني أحد بذلك، لم أعلم يوما بذلك
صدقها المسكين فضحكت و انتزعت علمه من كفه الصغيرة و قالت: لقد أخطأت الجواب، فاصعد إلى الشجرة مع زفرون و باقي الأطفال


فانهمرت من عينيه الدموع و تدفقت كالسيول و إنها زادت فأغرقت المكان و جرفت الأطفال من على الشجرة إلى قاع الوديان و تحولت العجوز بعد أن توهجت كالشمس إلى طائر حالك السواد تتعثر في طيرانها من طول منقارها و انحل سحر الرياح و انفرجت بعد سكونها فتعالت أصوات البكاء التعيسة في كل شقوق الماء و الأجواء. و ما زالت الأنهار تعج بالصغار حتى............

و هنا قام ابن أختي من مجلسه و خرج من الغرفة بسكون و كأني بلغت النهاية في ميقات عقله، أو كأنه اكتفى من هول الخبر. و ظللت أقصها على الناس إلى حيث قام هو، إلى أن أكملتها ذات يوم مع بنات أختي

..........حتى سمعتهم زفيرة فكسرت غصنا من شجرة قريبة و قربتها من زفرون و گنوش حتى استطاعا الخروج من النهر المالح، و بينما كانا يستريحان بعد هلع الغرق رأوا العجوز طائرا أسود تلقط الأطفال بمنقارها و تخبئهم في غار بالجبل الأكبر. تسلل الثلاثة إلى فتحة الغار فاقترب منهم أيل و قص عليهم بشجن

جاءت هذه العجوز تبكي يوما زادت فيه خطوط وجهها و زادت فأصبحت عجوزا في ثلاثينها، فحن إليها الجبل و نادى لها الريح الساحرة لتتنبأ بما أصابها. فأخبرتها الريح أن زوجها لم يكن يحبها، و لكنه كان يحب رؤيتها فزاد عمر وجهها من طول النظر إليه حتى خلق و اهترأ. و إن برود القلب و إطالة النظر تركيبة سحرية خطيرة، لا يمكن فكها إلا إذا شربت دموع كل الأطفال التائهين

ثم قلت لهن، أكمل لكم باكر، لكني لم أكملها لهن، و هذي الزيادة التالية كتبتها و أنا أقصها عليكم

و هنا رقت قلوب الثلاثة على العجوز التي كانت أصل الشر قبل دقائق قليلة، و دخلوا غارها و جلسوا إلى جانب الأطفال و صاروا يبكون عليها، و من غير معرفة السبب، صارت تنتقل عدوى البكاء من طفل لآخر و عندما رأت العجوز ذلك انشرح صدرها، و جلبت إناءا مقعرا و ملأته من دموعهم. ثم اتخذت لها زاوية و جلست تشرب، فإذا بنور أبيض كضوء القمر يلفها و يغزل جسدها و وجنتاها بخيوطه الرقيقة فبانت بعد وهلة امرأة بديعة الجمال كأن الطبيعة اجتمعت بها و كأن أرواح الدنى تجتمع لتقرر تعابير محياها النضر. و ما زال الأطفال ينظرونها بانبهار حتى اقتربت منهم و على وجنة كل طفل و طفلة طبعت قبلة، و قالت تخاطب الجبل

إنك يا جبل و هؤلاء الأطفال أحن عليّ من زوجي الذي أهلك جسدي من عجز البصيرة و طول البصر، إن الدموع أبلغ من العيون في استحضار الروح و استشفاف الفِكَر، ليت الرجال يظلون أطفالا فلا يظن أحدهم يوما أنه كَبُر فليت شعري إن في الكِبَرِ خلطٌ مع الكِبْرِ

ثم جاءت بسلة بسكويت و كتبت على كل قطعة إسم من أسماء الأطفال، و قالت لهم

لن تعودوا ضائعين بعد الآن فهذا البسكويت سيدلكم كالبوصلة إلى وطنكم
و لكن ماذا إذا أكلناه؟ أفلا ندل ديارنا؟
أجسادكم دياركم يا أطفالي، فلا تعشقوا التراب، فما التراب دليل الوطن، إنما القلب و مكان تستطيع فيه أن تأكل