مزارات


عندما وصلنا الحرم، كبّر الإمام و قرأ الفاتحة ثم أعطى الصمت لعويل الأطفال و صياحهم، كان مفزعاً و القباب كانت تحتوي أصواتهم كأنها غرف تعذيب. قطعها صوت الإمام مرة أخرى ليتلو قصة الخطيئة الأولى، ثم تبدأ حركة أقدام حثيثة بين الصفوف يلحق الصغار إحداهما الآخر، بينما يقف طفل أمامي بعد مشاجرة مع طفل آخر، يطالعني، نتقابل و يفعل مثلي أمامي، ثم تتدخل المصلية بقربي لتنحيه عني و تجلسه ثم تعود لصفها، بينما تشد الصافة خلفي حجابي لتغطي ما أظنه بان من شعري. تستمر الصلاة، و خشوعي و اهتمامي يزداد في لحظات صمت الإمام و صوت فضاء الأطفال

ذهبنا صباحا لزيارة قبر الرسول الكريم، و لما وصلنا تملكني حضور زمني جامع مهيب، سألنا المسؤولة عن القبر و الروضة، فقالت أما القبور فلم نعد نميزها حتى لا يفرق الناس في دعواتهم و نواياهم، و أما الروضة فهي المفروشة بالسجاجيد الخضر. مكثنا هائمين قرابة الربع ساعة نبحث عن بقعة صالحة للصلاة، و كانت المسؤولة تنادي "صلوا و وسعوا لغيركم!" و عندما وجدت متسعاً كبرت، كنت محشورة و النساء يخطرنني من كل جانب متدافعات. لما اعتدلت من سجودي صرخت من بجانبي علي (و أنا مازالت في صلاتي): "شعرك باين! شعرك باين!" تراها تراه في عينها يحترق؟ أكملت صلاتي و ابتعدت عن الروضة حزينة، فقد أبطل اهتمامها بصلاحية صلاتي سحر المكان

ليلاً جلسنا في الساحة الخارجية للحرم، حيث يتجمع فيها الناس من كل بلد، و هناك رأينا سيارة صغيرة تمشي ببطء داخل الساحة، عندما اقتربت منا و إذا بالسيارة مطبوع عليها: لجنة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، يقودها رجل يحدق بالناس بإمعان و تفقد

الصورة هنا هي لجبل الرماة الذي ذكر التاريخ عنه بأنه المكان الذي أخلف فيه رماة المسلمين أوامر الرسول الكريم في غزوة أحد، ففي أثناء زيارتنا للمساجد السبعة مررنا به و وجدنا الناس يصعدون الجبل ثم ينزلونه، و تبيع النساء التمور بين مقبرة شهداء غزوة أحد و جبل الرماة هذا

أشكال سطح الصمت

و الآن .. بعد زوال كل وسيلة للقرب أستطيع أن أدرس أشكال سطح الصمت. يقال أن أفضل بنّاء للمعبد هو أكثر العباد تجربة للخطيئة. و يقال أيضاً أن المعبد لما بُني تحول التكرار من التجول إلى الاستقرار و من الإدراك المتجدد إلى الإدراك الرتيب. لماذا ما زلت أكتب؟ و ما هذا الإيمان العظيم؟ أهو إيمان المخطئين؟ أم التباس مع أن التباساتي دليلي. إن كلماتي هنا لا تريد شيئاً، هي صلوات تريد المباركة.

هذه أيام غدا البعد فيها شيئاً لا علاقة. فما زالت اللقاءات تؤدى و تعاد في أماكنها، حالها كحال المزارات. ثقل أمره على نفسي حتى أنني بت أتمنى قبل النوم ألا أصحو، فبي من الهم ما يدعسني بين شقوق الأرض لتسدها عليّ و أنتهي. لم أطلب الموت قط بقدر أيامي هذه. أريد أن أعلن خيانتي لكل من حولي متى يا ترى تبدأ الحرب فأنا الخائنة منذ مدة أرسلوني لتقصي أخبار ما قبل الطبيعة. أنا خائنة فابدئي يا حرب ابدئيني.

أي طاقة هذي التي تحث دمي على جريانه الأبدي؟ خواطري تتكسر، و هي أجنحتي التي كنت أطير بها و سلالمي التي أواصل بها سلاسل الحلم و الواقع. أحيانا أستغرب ما يحصل لكونه أبعد ما يكون عن الإنسانية، و لكن بعد دقيقتين أظنه -أي ما يحصل- في صلب الإنسانية. فمن الإنسانية أن يترك الأب ولده، و من الإنسانية أن يخون الجندي بلده، و يكذب الزوج على زوجه.. نعم كلها صفات إنسانية.. أشكرنا على إنسانيتنا.

ماذا أحببتُ إذاً من الدنيا و ماذا يسرني؟.. أحب من الدنيا البحر في كل ألوانه و درجات حرارته.. أحب صناعة الورق، أحب رائحة الحبر، أحب السماء، و فرضية الحركة و السكون، أحب الابتسام على غفلة من نفسي، أحب الهواء؛ زائر جوفي المعتاد.. و أحب إغفاءة ما قبل المساء.. أحب القهوة العربية مع أني لم أشربها قط في مكان أحبه، أحب فراشي الحاني.. أحياناً.. أحب يداي و عيناي، أحب والداي، أحب الحب، أحبه كطفلة لا تواري الشغف أحبه كالنهر، كالنور في صورة جميلة، كالمرض القديم الذي لا شفاء منه. أحب صوته و عينه التي لا تنام ليلاً، و أبحث عنها في عيون الناس

ماذا بعد؟.. كانت المسافة ناصحتي و لكني ما عدت أسمعها، فقد تخاصمنا.. نعم أكرهها و أكره كل مرادفاتها. لم لا نعيش في سلام! لماذا العقاب؟ العقاب و ما يفعل بي، يغمض عينيه ثم يأخذ سكيناً يزخرف بها وجهي ثم يسلخ جلدي بعشوائية الأعمى ثم يرميني بالبحر و ينهشني القرش الذي دائماً ما أحلم به.. و لكنه قبل ذلك يأخذ قلبي و يضعه ينبض في متحف علمي، لكي يخلد عذابه، كل هذا قبل أن يعاقبني أحد

ساهور الأرض

في طريقنا إلى البحر، كان في حجري، و كان يسأل عن كل شيء فسألته إذا كان يريد قصة، فأومأ بالإيجاب. حلت عليّ نشوة الهذيان فأنا لم أمارس الحكي منذ مدة (و إن في كتابتي تفصيلات أكثر مما حكيت و في نفسي تفصيلات أكثر مما كتبت)

مر زمن على ناس يسألون كثيراً حتى هربت الأسباب، و ظلوا تائهين كئيبين في مجاعة الملل. كانوا في صحراء بسيطة، لم يعد مداها يستهوي النظر و لا يغوي الرحالة بالسفر. و في يوم، صعد صبي عمود الكهرباء عازماً السفر إلى السماء، هناك حيث لا يوجد مدى. و في أثناء صعوده وجد خيطاً حريرياً متدلٍّ من السماء من فضاء لم ينكشف بعد فتشبث به و تسلق حتى بان أصل الخيط. فقد كان نسلاً من سجادة رآها الصبي تزخرف السماء و تستر الأرض عن كون فسيح، فيها من رسوم الخلق عجيبها، و من ألوان الحياة بديعها و ما أن وصلها حتى انقلبت موازين جذبه و عينه أخذت مكان رجله. و صار يتفسح على هذه السجادة العظيمة و يتمنظر على ما يتكتل منها و يتشكل و يتحرك ثم يرجع يتسطح ثم رأى أن كائنات هذا النسج تتغازل، فتتقارب لاعبة و تتباعد مداعبة بلا سبب أو أدب، فحادث الصبي غزال ترقص تحت شجرة برتقال أو شيء مثل هذا و اشتكى لها حال قومه، فأشارت عليه أن يذهب إلى الأبّار (صانع الإبر) و نبهته بأن ليس له مكان واحد و إنما يصنع في كل بقعة إبرة و لهذا وجب على الصبي -حسب وصف الغزال- أن يذهب إلى أكبر مَزَل و الذي فيه تتقعر السجادة أو تتحدب

ذهب الصبي إلى الأبّار الذي عَجُبَ عليه أمره، فإن طل عليه من وجه السجادة خرج الأبّار لظهر السجادة و هذا ما كان في حالهما طوال فترة حديثهما، حتى اتفقا على أن يصنع الأبّار للصبي إبرة يخيط بها السجادة بالصحراء حيث يسكن. أدخل الصبي خيطاً في عين إبرته و نزل إلى أرضه الترابية يغرزها في غيرانها ثم يصعد، ثم ينزل، ثم يصعد، ثم ينزل، حتى إذا زادت الغرز و كثرت الخيوط بين السجادة و الصحراء صارت الكائنات تنزل عازفة لحناً من ذات الأوتار التي خيطت بها، فتجمعت الأقوام إثر عذب النغم يلتمسون جديداً و تدافعوا ينظرون ما الخبر، و لكن القادمون من سجادة السماء لم يشرحوا شيئاً و إنما بدأوا يعلمون الناس ألعاباً و رقصات و ما زالوا على ذلك حتى انشغل بعضهم ببعض و قضى كلٌ قضيته و هبّت مع ذلك ريح قوية صيرت صوت الأوتار نشازاً يكاد يصم الآذان، و لذلك رأى الصبي أن يفل قِران الأرض بالسماء و يتركهما للتوازي، فذهبت الكائنات الجميلة عن تلك التي مسحها الغبار راجعة مع الريح إلى مرباها، و انقشع بعد حين خمار الأرض الزخرفي لتلون وجهها بنور الشمس، و منذ ذلك الحين تعلّمت الأقوام كيف يلعبون، و كيف يرقصون

The Imaginary Cause

Back in January 13 of this year, I gave a brief talk along with some other architects and designers at Al-Americani Cultural Centre. The event was called "a night for architecture" and was organized by T-Square Magazine's Team, KASA and AIAS representatives, and hosted by Dar Al-Athar Al-Islmaiyah. The night is held to stimulate discussions and ideas about the theme of T-Square's upcoming issue "Why Design: Cause & Effect". "Why Design" was my stimuli because it is really a transcendental question like "Why do we exist".

The Cause in such questions either gets continuously multiplied or continuously divided, meaning that you can find endless answers as well as endless elaboration on one answer. When limits in mathematics goes to infinity it reaches a mythological strata. If causes are perceived as a chain of natural dependencies then imagination can be defined as breaks from this chain unless it is conjunct. Therefore a pattern can be constructed from a scientific cause, followed by an imaginary cause resulting this tense or hyper relationship between finites and infinities_which I like to call informally a myth-math relationship.

The collision or collaboration that happens between scientific or natural/physical formations and mythical formations is based mainly on repetition, the repeated mechanism of the world along with the repeatedly narrated myths, like in epics, folklore songs and dances, and even political and social theories such as Nationalism, Communism, and the mostly related: Conspiracy Theory. The reason behind the power of the oral to compete with the power of the worldly is because of its otherworldly mobile presence.

Here I illustrated an evolving collaborative myth-math chain taking rain [falling drops of rain from a cloud] as a worldly example and relating it to a mythical reason and effect, relating the effect again to a worldly reason [topography] coming back again to a mythical reason, just to give a perception version of Cause and Effect in Design:




ما أتاني من بني الشيصبانِ

و تهافتت الذكريات بعضهن ينشد بعضاً في جمجمتي الخربة و كأن دماغي صارت داراً للعجزة تتزاور فيها الأهرام في مَعاد تاريخ ألسنتها فأقترت أوصالي بمدها و تباطأت في الدفع كي تجبر إحداي على إعمال اللسان

لما عشت
كان هناك آذان لصلاة واحدة
كان النور يخفت خجلاً لمساءٍ بني
لما عشت
بُعثت حقيقتي من جيفتها إلى يوم حشر بهيج
و توالدت أبعاضي عدد أحلام البشر
نبت لي بعدها جناحان
و أرسلتني الريح إلى مراحها
نركم ننحت جلد الأرض بأصوات البشر
فالغبار و الجراد و الدخان و النيران
فالمطر و الطين و الوحل و اللقاح
لما عشت
لم أكن نائم
لم أكن إنسان
كنت كائن يصغر كلما ابتعد
و لهذا مت و الحمدلله بتهمة الحياة ساعة
و رجعت الحقيقة إلى ربها حلماً